تعتبر العلوم الإنسانية من المجالات الحيوية التي تدرس سلوك الإنسان وتفاعلاته في المجتمع. تشمل هذه العلوم مجالات متعددة مثل علم النفس، الاجتماع، الفلسفة، والأنثروبولوجيا. ومع ذلك، تواجه هذه العلوم تحديات كبيرة تتعلق بتقنينها وموضوعيتها.
التحديات المرتبطة بتقنين العلوم الإنسانية
تتمثل إحدى المشكلات الرئيسية في صعوبة قياس الظواهر الإنسانية بشكل دقيق. على عكس العلوم الطبيعية، حيث يمكن استخدام التجارب والملاحظات الكمية، فإن العلوم الإنسانية تعتمد بشكل كبير على التفسيرات النوعية. هذا يجعل من الصعب وضع معايير موحدة للتقييم.
تعدد المنهجيات: تختلف المناهج المستخدمة في الدراسات الإنسانية مما يؤدي إلى نتائج متباينة.
التأثيرات الثقافية: تلعب الثقافة دورًا كبيرًا في تشكيل السلوك الإنساني، مما يزيد من تعقيد عملية التقنين.
التحيز الشخصي: قد يؤثر رأي الباحث أو خلفيته الثقافية على النتائج المستخلصة من الدراسات.
إمكانية حل المشكلة
على الرغم من التحديات، هناك إمكانية لتطوير طرق جديدة لتحسين تقنين العلوم الإنسانية. يمكن تحقيق ذلك من خلال:
تطوير أدوات قياس جديدة: استخدام التكنولوجيا الحديثة لجمع البيانات وتحليلها بشكل أكثر دقة.
تعزيز التعاون بين التخصصات: العمل مع علماء من مجالات مختلفة لتبادل المعرفة والخبرات.
زيادة الوعي بأهمية الموضوعية: تشجيع الباحثين على التفكير النقدي وتجنب التحيز في دراساتهم.
في النهاية، يتطلب حل مشكلة تقنين العلوم الإنسانية جهودًا مشتركة من جميع المعنيين في هذا المجال لضمان تحقيق نتائج دقيقة وموثوقة تسهم في فهم أفضل للسلوك الإنساني.
يعكس هذا الكتاب أُمْنِية مستقبلية تهدف لأن تصل العلوم الإنسانية لِذات المستوى من التقدم الكبير الذي حازته العلوم الطبيعية والحيوية في القرن العشرين، حيث حقَّقَت الأخيرة ثورات كبرى تمثَّلَت في أُطْرُوحات الفيزياء والكيمياء الحديثة، فنشأت علوم جديدة — كفيزياء الكم والنسبية والهندسة الوراثية وغيرها — هَدَمَت الكثير من المُسَلَّمات الكلاسيكية أو غَيَّرَت نظرَتَنَا إليها، ويعود الفضل الكبير في هذا التقدم إلى ما قدَّمَتْه فلسفة العلم والإبيستمولوجيا من خلال إرساء طرائق البحث العلمي الحديث وتشديدها على تطبيق مناهج الاختبار على كافة الفرضيات العلمية حتى تتحقق صحتها، ولأن العلوم الإنسانية (كعِلْمَي النفس والاجتماع) ذات خصوصية وتستهدف الإنسان وسلوكه، فإنها تعاني من مشكلة أساسية تتمثل في صعوبة إخضاعها بشكل كامل للمنهج التجريبي؛ الأمر الذي جعلها مُتَخَلِّفة نسبيًا قياسًا للعلوم الطبيعة، وهذا الكتاب يناقش أبعاد هذه المشكلة وما تبذله فلسفة العلم لحلها.